"كنت في مكتب أحد المسؤولين في الوزارة بعد ظهر اليوم الأول من بدء العام الدراسي وكان يتحدث في الهاتف مع المسؤول الأكبر منه قائلا أبشرك .. كل شيء على ما يرام ، الدراسة لم تبدأ بجدية من اليوم الأول فقط ولا الساعة الأولى بل من الحصة الأولى.." هذا الكلام للكاتب الأستاذ زياد الدريس الذي هاجم فيه طريقة التدريس من اليوم الأول ومن الحصة الأولى لبداية العام الدراسي.. فتعاميم الوزارة المؤقرة تنص على أن تبدأ الدراسة من أول حصة ومن أول يوم ..
* تصور حال الطالب الذي أتى المدرسة بعد أن تمتع بإجازة توازي ربع العام ثم تشرح له درسا من أول حصة ومن أول يوم .. تخيل حال هذا الطالب بعد أن حول ليله إلى نهار ونهاره إلى ليل ثم نريد أن يستمع إلى درس من أول يوم..
ضع نفسك مكان طالب "معطل" لثلاثة أشهر متتالية ثم تأتي إليه ومن أول يوم بدروس في المعادلات أو شرح المعلقات في الأدب أو التضاريس والطقس وحالات التمدد والانصهار.. وإثقاله في نهاية كل حصة بالواجبات والحفظ؟
* يجمع التربويون على ضرورة"التمهيد" فحتى في المحاضرات العلمية والأكاديمية والدروس من العسير على الفهم أن تشرع في الاستطراد مباشرة بلا تقديم ولا تمهيد ولا تشويق ولا حتى إثارة اهتمام.. فكيف بسبع حصص تسرد سردا على الطلاب بلا مقدمة!!
* كيف تريدون من طالب أن يستوعب درس أول يوم وهو لا يعرف اسم أستاذه ، وقد لا يعرف المادة وطبيعتها وموضوعاتها ؟ فمن المفترض أن يكون اليوم الأول عبارة عن لقاءات تعارفية وعلم ومعرفة بالمواد التي يدرسها وبالمواد الجديدة إن احتيج إليه..
* إن مدارسنا بشكل عام ليست بيئة جاذبة للطالب فالمنزل اليوم جاذب والشارع أصبح أكثر جذباً للطلاب بينما مدارسنا بعيدة عن اهتمامات الكثير من الطلاب فبعضهم أتى مرغما على الدراسة ، وقد قرأت ذات مرة أن من أحلام الدكتور محمد الرشيد – الوزير الأسبق- أن يأتي ذلك اليوم الذي يدخل فيه الطالب المدرسة وهو يجري كحاله عند مغادرتها ، لكن الواقع أن الطالب يأتي متثاقلا يجر خطاه ويأتي إليها راهبا لا راغبا ، وقد رحل الرشيد ولم يتحقق هذا الحلم ، وذات مرة داعبت أحد المدرسين بحلم الوزير فرد ساخرا: لو تحقق هذا الحلم لتوجهت لأقرب مسجد لأن القيامة قامت!!!!!!!
* إذا كان السبب في ضرورة البداية من أول يوم حتى لا تضيع ساعة أو دقيقة فواقع المدارس هو إهدار الساعات والدقائق ، فما الذي يضير لو راحت حصة أو يوم بعد أن ثبت باليقين الجازم أن يوما واحدا لن يقفز بنا إلى مصاف العالم الأول ، ويوم واحد لن يقلب موازين حياتنا.
* ليكن اليوم الأول تعارفيا .. ويوما مفتوحا ينسى فيه الطالب عذابات بدء الدراسة بعد ثلاثة أشهر من النوم والراحة.