رأيت مرة دباً يركب الدراجة على المسرح، ويمشي على ظهر كرة، وساهدت قرداً يلبس ثياباً ويخلعها، وسمعت عن كلاب تحمل السلال، وتغدو على السوق فتشتري الفاكهة، وأبصرت في السينما خيولاً تفهم الكلام، وتنقذ أصحابها من الأير، وكانت مجلة المختار تعقد في كل جزء منها باباً خاصاً لمظاهر الذكاء عند الحيوان، وفي كليلة ودمنة أخبار من ذلك، وفي الحيوان للجاحظ، وحياة الحيوان للدّميري، وعجائب المخلوقات للقزويني، ولكن أعجب هذه الأخبار وأبعدها في الإغراب، أن يسوق حمار سيارة... وماكنت لأصدق ذلك، لولا أن رأيته أمس بأم عيني، وكاد يدعسني، لا... لاتظنوا أني أمزح أو أتخيل، إني لا أصف إلا ماجرى...

كان حماراً شاباً، عليه مخايل النعيم، ومظاهر الدلال، وكان منتفخاً مغروراً، قد رفع أذنيه من الكبر، ولوى ذنبه من الغرور، وكيف لا يغتر الحمار إذا رأى نفسه مالك السيارة (البويك) صنع 1951، وبنو الشيخ آدم رحمه الله يمشون على الأرض...

ولكن الحمار حمار ولو ساق سيارة، وكان صاحب الآلاف المؤلفة، لذلك ترك يمين الطريق وأخذ شماله، وكان أمامه إمرأة معها ولدان، فلما صار وراءها أطلق زمرة توقظ أهل الكهف، فارتاعت المرأة، ووثب الأولاد، وجاءت سيارة من أمام، تمشي على الطريق السوي، فاضطرب الحمار السائق، وصار يكبس أزرار السيارة بقوائمه الأربع، فصعدت الرصيف، وصدمت الرجل، ثم دخلت دكان الخضري...

ولم يستحي كما تستحي من في وجهه ماء، ولم يعتذر كما يعتذر من في نفسه أدب، وإنما نزل من السيارة، وجعل ينهق في وجه الخضري ويسبه باللسان الحماري، ولأنه لم يترك شوارع البلد كلها، ويفتح دكانه في هذا الطريق، إلا ليصدم السيارة...


***

هذا هو المشهد الذي شهدت، وشهده معي عشرات من الناس، وأنا مع تقديري لهذه البراعة في تدريب الحيوان على أعمال الإنسان، أرجو الأ تأذن الحكومة لحمار، بعد اليوم، أن يسوق سيارة خاصة على الطرقات العامة...

ولو غضب من ذلك حضرات السادة الحمير...


مقالات في كلمات، المجموعة الأولى، صفحة 100