سيدي الوجيه الكبير:
قرأت كتابك الذب أرسلته إلى (النصر) باسمي، وفهمت قصتك الطويلة، أما رأيي الذي تقسم عليّ بأن أعلنه بصراحة، وأنا أنشره في (النصر) فإني أخاف أن تغضب إذا أبديته لك، أو أن يلومني على إبدائه القراء.
لأن رأي فيك سيدي المحترم أنك.. أحمق كبير (ولا مؤاخذة) وأنك لاتصلح أباً لهذه البنت العاقلة، وأنك مع الأسف صورة لأكثر الأباء، لاتختلف عنهم إلا كاختلاف نسخ القصة المطبوعة بعضها عن بعض. فهمت من كتابك أم الخاطب الذي رغبت فيه ابنتك محام فقير، لايملك إلا شرفه وخلق وعزة نفسه، والمال الذي يأخذه بكد يمينه، وعرق جبينه.
وأن الخاطب الشاب الجميل الغني المدلل وحيد أبويه -اسم الله عليه- الذي يملك ونه ذهباً، لم تقبل به البنت لأنه ليس بصاحب علم، ولابذي مهنة، وأنها أبت من تريد، وابيت من أرادت، فبقيت بلا زواج.
وأنك حائر في هذه المشكلة لاتدري ماذا تصنع.
ومشكلتك هذه ياسيدس مشكلة البلد كله.
مشكلة سببها أنتم أيها الأباء، الذين تحسبون البنت سلعة، فهم يريدون أن يبيعوها، لمن يدفع فيها الثمن الأكبر، ويظنون الزواج صفقة تجارية، فهم يتمنون أن يخرجوا منها بالربح الأوفى.
أنتم سلبتم الزاج معناه الإنساني العاطفي، وجعلتوه معاملة مالية، يبحث فيها عن المهر والجهاز، والحفلات والولائم، قبل أن يبحث عن التوافق والحب، والسعادة الزوجية.
أنتم وضعتم الأشواك في طريق الشباب، الذين يريدون بناء البيت وإنشاء الأسرة، وإرضاء الله والخلق، وأقفلتم في وجههم أبوابكم، ففتحتم لهم بذلك باب الفجور والفساد، وعبدتم لهم طريق البغاء والمرض والإفلاس.
أنتم الذين يضحون بصحةى بناتهم، وبأخلاقهن وبسعادتهن في سبيل التفاخر والتكاثر، والعظمة الفارغة، ويضحون بعد ذلك بمصلحة هذا الوطن! أنتم المسؤولون عن مشكلة البغاء السري... ؟ أنت وأمثالك من الآباء! وتسألني بعد ذلك رأيي؟
رأيي أنك مجرم كبير... ياسيدي الوجيه الكبير!
علي الطنطاوي
مقالات في كلمات (المجموعة الأولى) ص19